أخبارالرئيسية

خبير اقتصادي يستعرض مخاطر قيام الحوثيين بإقرار “قانون منع المعاملات الربوية

قانون للاحتيال وعزل اليمن عن العالم

اليمن الجمهوري

حذر الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور مطهر العباسي، من خطورة إقرار جماعة الحوثي مشروع قانون “منع التعاملات الربوية”، دون وضع البدائل والآليات المناسبة.

 

وقال “العباسي” في مقال مطول على حسابه بموقع “فيسبوك”، إن هذا المشروع، يمثل هدراً لحقوق وثروات الأفراد والكيانات والمؤسسات المالية.

وأضاف: “يمكن القول إن القانون يمثل معول هدم لآليات وأدوات النظام المصرفي القائم، والزج به إلى المجهول، وهو أشبه بقانون شمشون القائم على مبدأ “هدم المعبد عليّ وعلى أعدائي”، فقد أصاب كل الأطراف المشاركة في العمل المصرفي من مودعين وبنوك ومستثمرين في مقتل، وسيؤدي إلى شلل النظام المصرفي وإفلاس كل مؤسساته والمتعاملين معه”.

وشدّد الدكتور “العباسي”، على أن القانون المذكور، شرّع للاحتيال والنصب على المدخرين والمستثمرين، وشرّع لتأميم ممتلكات وحقوق الأفراد والمؤسسات والشركات.

ووضّح تفاصيل هذه الأضرار بالتالي: “معروف أن البنوك تمثل وسائط تمويلية تقوم على جذب المدخرات من الأفراد والمؤسسات ذات الوفرة المالية في شكل ودائع جارية أو آجلة أو مخصصة وتقديمها للمستثمرين في صورة قروض وتسهيلات لتمويل مشاريع إنتاجية أو تجارية أو خدمية بهدف توسيع فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فالقانون أحتوى على مواد تنسف جوهر هذه الوظيفة الأساسية للبنوك، ففي المادة (3) ينص القانون على منع: “الفوائد مقابل القروض أو التسهيلات أو الودائع أو السندات أو أذون الخزانة، أي كان نوع القرض أو الوديعة أو السند، وكذا الفوائد المترتبة على خطاب الضمان والاعتماد المستندي وخصم الأوراق التجارية وأي كان مسمى الفائدة (فائدة أو مساهمة أو أرباح)”.

وبحسب “العباسي”، فإن هذه المادة “تمثل رصاصة الرحمة لعمل ونشاط البنوك التجارية سواء في جانب جذب الودائع من المدخرين، والتي بلغت قرابة 2.5 تريليون ريال قبل الحرب، أو في جانب تقديم القروض للمستثمرين (وصلت إلى أكثر من 2 تريليون ريال قبل الحرب) دون أن تقدم بدائل وآليات أخرى للتعامل مع هذين المكونين، بل إن المادة تجرم الأدوات الأخرى مثل المساهمة والأرباح واعتبرت أنها فوائد، وهذا يمثل ضربة قاضية لنشاط البنوك في مجالات الاستثمار والتمويل المحددة في قانون البنوك، لعام 1998 ، وهو تجريم أيضا لنشاط البنوك الإسلامية، القائمة على أساس تطوير وسائل جذب الأموال والمدخرات واستثمارها في مختلف المشاريع والأنشطة، وفقا لقانون المصارف الإسلامية، لعام  1996م”.

ولفت أيضا إلى أن مشروع القانون المذكور، يشرّع للاحتيال، مضيفاً: “بقراءة متأنية للمادة (3)، يتضح أنها تشرع للاحتيال على الفوائد والعوائد المتراكمة للمودعين ومصادرتها من قبل البنوك، وبذلك يكون أصحاب الودائع الخاسر الأكبر، لأن عوائد ودائعهم نهبت وصودرت بقوة القانون، ووفقا لهذه المادة فإن البنوك أيضا ستتعرض لخسائر فادحة ناجمة عن إلغاء الفوائد المتراكمة لدى المقترضين، والذين أصبحوا ملزمين بسداد أصل الدين فقط، كما ورد في المادة (7) من القانون والتي تنص على أنه “لا يجوز تقارير الفوائد الربوية الناتجة عن المعاملات المدنية والتجارية المستحقة قبل تأريخ العمل بهذا القانون التي لم يتم أداؤها بعد، ويلتزم المدين بسداد أصل الدين وفقا لترتيبات السداد المتفق عليها”، ويزداد الوضع سوء في حالة أن نسبة عالية من القروض تعتبر متعثرة، وهنا تكون الخسارة في أصل القرض إضافة إلى الفوائد المتراكمة عليه، وهذه صورة أخرى من النصب والاحتيال شرعته المواد سالفة الذكر”.

واستطرد الخبير الاقتصادي “العباسي”: “من الأمور الخطيرة المتضمنة في المادة (3)، قيام الحكومة بتأميم حقوق الأفراد والمؤسسات والبنوك المتراكمة لدى الحكومة ممثلة بالبنك المركزي، وهذا يشمل تأميم ومصادرة الفوائد المتراكمة لأذون الخزانة، والسندات الحكومية وعوائد شهادات الإيداع لدى البنك المركزي، والتي تمثل خسائر فادحة للمستثمرين في هذه الأدوات مثل البنوك وصناديق التقاعد، والشركات وجمهور الأفراد، فحجم الاستثمارات في أذون الخزانة بلغت قرابة 1.5 تريليون ريال، معظمها استثمارات البنوك، وفي سندات الحكومة حوالي 800 مليار ريال، جلها للهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، وبلغت الفوائد المتراكمة على تلك الأذون والسندات قرابة 2 تريليون ريال خلال العشرين سنة الماضية”.

ولفت أيضاً إلى أن مشروع القانون، سيؤدي إلى القضاء على التجارة مع العالم، مضيفاً: “من المهام الأساسية للبنوك التجارية والإسلامية تسهيل تدفق السلع التجارية بين اليمن ودول العالم الخارجي، وكما هو معروف فإن 90% من الطلب المحلي على السلع يتم تغطيته عن طريق الإستيراد من الخارج، بما فيها السلع الغذائية والأدوية والآلات والمعدات والملابس والمنسوجات والأثاث وغيرها، وتقوم البنوك بتسهيل إستيراد تلك السلع عبر إصدار خطابات الضمان والاعتمادات المستندية للتجار المستوردين، عبر البنوك المراسلة في المنطقة العربية أو في الدول الأجنبية، وجاءت المادة (3) من القانون لتعطل العمل بهذه الأدوات وتجرم “الفوائد المترتبة على خطاب الضمان والاعتماد المستندي وخصم الأوراق التجارية، وأيا كان مسمى الفائدة (فائدة أو مساهمة أو ربح)”. إضافة إلى ذلك، صنفت المادة (3) “كل عمولة أو منفعة، أيا كان نوعها، يتم إشتراطها مقابل القرض أو تأجيل الوفاء به” على أنها فوائد وتبطل بطلانا مطلقا، وبذلك يكون القانون قد أغلق أمام البنوك كل الأبواب للتعامل مع التجار ومع البنوك الخارجية لتسهيل استيراد السلع الاستهلاكية والصناعية والزراعية وغيرها، وكأن هذه المادة بمثابة صرخة لموت التجارة مع العالم ولموت البنوك أيضا، وعزل اليمن من التعامل مع الاقتصادات الإقليمية أو الدولية”.

كما لفت إلى أن مشروع القانون الحوثي، يجرّم كل الصيغ الإسلامية التي تنتهجها البنوك الإسلامية في تمويل أنشطة التجارة والاستثمار، فالقانون هنا حرّم البيع الذي أحل الله في صريح الآية “وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا”، وهذا دليل آخر على أن القانون بمثابة معول هدم للبنوك التقليدية والبنوك الإسلامية على حدٍ سواء، ولم يقدم أي بديل للأدوات والصيغ التي جرمها، مما يثير العديد من التساؤلات حول مرامي وأهداف سلطة صنعاء من إصدار هكذا قانون، حسب قوله.

وأوضح أن مشروع القانون الذي أقره الحوثيون، سيؤدي إلى عزلة اليمن عن العالم، مضيفاً: “ورد في المادة (9)، فقرة (أ) “يُلغى العمل بكافة الأحكام والقواعد في القوانين والاتفاقيات الدولية المصادق عليها، التي تضمنت جواز العمل بالفوائد الربوية بأي مسمى وردت (فائدة، أرباح، مساهمة)”، إن هذه المادة تمثل إعلانا لعزلة اليمن وإنغلاقه عن محيطه الإقليمي والدولي، ونقضا للعقود والمواثيق في مخالفة صريحة للآية الكريمة “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ”، ونكرانا للجميل الذي قدمته تلك الدول والمؤسسات لعصرنة المجتمع في مختلف القطاعات، وتوجها لتموضع اليمن ضمن الدول المنبوذة من الأسرة الدولية”.

وشدد الدكتور مطهر العباسي، على أن القانون الحوثي برمته مخالف للدستور ويتناقض مع العديد من مواد الدستور المتعلقة بحماية الحقوق والممتلكات وبحماية واحترام الملكية الخاصة فلا تمس إلا للضرورة ولمصلحة عامة وبتعويض عادل، وبحرية التجارة والاستثمار، وبحماية المنتجين والمستهلكين وتوفير السلع الضرورية للمواطنين، وكذلك المواد المتعلقة بتشجيع رؤوس الأموال الخاصة على الاستثمار في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبتنمية وتطوير قدرات كل القطاعات الاقتصادية، وبتشجيع الدولة للتعاون والإدخار، وبحرية النشاط الاقتصادي بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع، وبحضر المصادرة العامة للأموال، وبمنع سريان القوانين على ما وقع قبل إصدارها”.

ولفت إلى أن القانون لم يتضمن تعريفا واضحا للربا وفقا للشرع الإسلامي، بينما أورد تعريفا غامضا للفائدة، متجاهلا الفرق بين الفائدة الأسمية والفائدة الحقيقية، فقد يكون معدل الفائدة الحقيقي سالبا إذا كان معدل التضخم أكبر من معدل الفائدة الأسمي، كما أن القانون لم يميز بين أصل الدين أو القرض إذا كان بالعملة الورقية أو بالعملة المعدنية كالذهب والفضة وغيرها، ذلك أن شبهة الربا تنتفي في التعاملات بالنقود الورقية إذا كان معدل التضخم مرتفعا في الاقتصاد، والذي يؤثر سلبا على الفائدة الحقيقية وعلى قيمة أصل الدين أيضا”.

وشدد على أنه “يعمق التشطير الاقتصادي بين مناطق صنعاء ومناطق عدن، فالقطاع المصرفي هو الوحيد الذي يمتد على ربوع اليمن بمؤسساته الموحدة، ذلك أن معظم البنوك تقع مراكزها الرئيسية في صنعاء ولها فروع في كل المحافظات، فالقانون سيحدث فجوة عميقة في التعامل مع النشاط البنكي بين المراكز والفروع، ويجعل المراكز وفروعها في مناطق صنعاء أكثر هشاشة وأقل ملائة في مراكزها المالية وأكثر عرضة لعدم اليقين والإفلاس، كما سيؤدي إلى توجه التجار والمستوردين إلى البنوك في مناطق عدن لتسهيل إستيراد السلع من الخارج”.

وأضاف أن القانون “أشبه بقنبلة إنشطارية فتاكة أصابت شظاياها في مقتل كل الأطراف المشاركة في النشاط الاقتصادي والمصرفي والتجاري في الداخل، من بنوك ومودعين ومستثمرين ومقترضين وتجار وشركات ومؤسسات عامة وخاصة، وأصابت شركاء التنمية لليمن من دول ومؤسسات مالية في المحيطين الإقليمي والدولي”.

وأشار إلى أنه “لا يوجد دولة عربية أو إسلامية أصدرت قانون لمنع المعاملات الربوية في النشاط المصرفي، باستثناء الجماعات المتطرفة في ليبيا في عام 2013″، كما أن معظم تلك الدول ترعى النظام المصرفي الثنائي (بنوك تقليدية وبنوك إسلامية) وتشجيعها على التنافس خدمة لتطوير النظام المصرفي بشكل عام وتطوير وسائل وأدوات الصيرفة الإسلامية بصورة خاصة، ومن هذه الدول الأردن، مصر، السعودية، إيران، ماليزيا، تركيا وغيرهم”.

واختتم حديثه بالقول: “يبدو أن سلطة صنعاء بشقيها، التنفيذية والتشريعية، ليس فيها “رجل رشيد” فالجميع غير مدرك لتداعيات وتأثيرات هذا القانون على النشاط الاقتصادي والتجاري والاستثماري في البلاد، وواضح أن لكلاهما أفق محدود في فهم ديناميكية العمل المصرفي في الداخل وارتباطاته بالمؤسسات المصرفية والتجارية والصناعية في الخارج، وغير مدركين لوضع القطاع المصرفي خلال ثماني سنوات من الحرب والتي أثرت بشكل كبير على تدهور المراكز المالية للبنوك وتراجع الملاءة المالية لها بسبب الخسائر المتراكمة في مكونات الأصول المالية للبنوك أو في الالتزامات والخصوم، والأجدر أن تقوم سلطة صنعاء بوضع برنامج إنعاش وإنقاذ لتلك البنوك بدلا من الدفع بهم إلى حافة الإعسار المالي والإفلاس”.

 

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق