الرئيسيةتاريختاريخ الإمامة
الإمامة من السلالية إلى الدموية
اليمن الجمهوري
بسبب حصر الإمامة في هذه السلالة ومعها مبدأ الخروج تمزق اليمن كما أدى ذلك الخراب والدمار والمشاكل والفتن والاضطرابات والمحن فقد أصبحت الصراعات السياسية والمواجهات الدموية صفة سائدة، وثقافة راسخة في تاريخ الدولة الإمامية الهادوية، إلا أن أحداً من المؤرخين لم يُعرْ هذا الأمر أي اهتمام يذكر ولا أولوه عناية أو اهتمام، فقد أذهبت هذه الصراعات القناع المثالي عن وجه الإمامة الهادوية ولم يتبق إلا عنصريتها المنفرة إلى جانب فساد الأئمة الجاهلين وترفعهم مع أتباعهم بنسبهم الفاطمي.
لقد بدأ الصراع مع تأسيس الدولة على يد الإمام الهادي يحيى بن الحسين سنة 284هـ واستمر بين مدٍّ وجزر حتى نهاية الدولة الهادوية وانهيارها، يقول الدكتور حسين بن عبدالله العمري: “أصبح الصراع تقليداً دمغ الحياة السياسية والاجتماعية بميسم الانقسام والاقتتال بين الطامحين والمتصارعين من أئمة البيت الحاكم حتى أُرهق المجتمع وفقدت الدولة المركزية السيطرة وانجرفت البلاد إلى سنوات طويلة من الفوضى”.
وقد أخذ هذا الصراع الدموي أشكالاً مختلفة واتجاهات متعددة:
– الصراع مع الرافضين للإمامة والمعارضين للأئمة من الزعامات القبلية، مثل آل الضحاك، وآل طريف، بني يعفر، وغيرهم من الزعامات المحلية والقبلية.
– الصراع مع الدول اليمنية (الصليحية، الحاتمية، الرسولية، الطاهرية)، والصراع مع الدول التي قامت في اليمن (الأيوبية، المماليك الجراكسة، العثمانيين).
وإذا غاب أو خف الصراع مع الآخرين برز الصراع الداخلي في إطار الأسر والبيوت الهادوية كما حدث بين بيت الهادي والعياني، وبيت الهادي والحمزات وغير ذلك.
– الصراع داخل البيت الواحد، والأسرة الواحدة، وكان أول صراع من هذا النوع قد حدث بين أحفاد الإمام الهادي الذين أشعلوا نار الحرب لسنوات طويلة أدت إلى خراب صعدة القديمة.
وأخذ الصراع أشكالاً أكثر مأساوية حيث تصارع وتقاتل الآباء والأبناء، والإخوة وأبناء العمومة، كما حدث بين الإمام شرف الدين وابنه المطهر، وكالذي حصل في عهد الإمام المهدي صاحب المواهب، وما جرى بين الإمام الناصر أحمد بن يحيى حميد الدين وإخوته.
وهذه الصراعات جعلت الأئمة يقدمون لنا صوراً للمحاربين، ونماذج للمقاتلين الذين أسرفوا في القتل وأدمنوا سفك الدماء كما عبر عن ذلك الإمام أحمد بن سليمان:
ولأ قتلنّ قبيلة بقبيلة
ولأ سلبنّ من العدا أرواحاً
ولأ كسونّ الأرض عما سرعة
نقعاً مثاراً أو دماً سفاحاً
ولأمطرنّ عليهم سهاماً
تدع البلاد من الدِّما أقداحاً
وكان من الطبيعي والمنطقي أن يرتبط هذا الصراع وسفك الدماء، بالهدم والتخريب، وإشاعة الفوضى، وانعدام الأمن والاستقرار، والأمر الخطير أن مصلحة الشعب ومصلحة البلاد كانت مطروحة تماماً من حساب الأئمة لأنهم من جانب لا يمثلون هذا الشعب بل إنهم ليأنفون أن يكونوا ممثلين له، فهم يعتبرون أنفسهم من عنصرٍ أسمى ووطنيةٍ أرقى، وهم أسياد هذا الشعب غير منبثقين من صفوفه، بل هم مفروضون عليه، ولأنهم من جانب آخر لا يحبون هذه البلاد ولايزدهيهم تاريخها وأمجادها، بل إن كلمة (الوطن) و(اليمن) و(سبأ) و(حمير) و(قحطان) وغير ذلك من الكلمات إذا هي جاءت في معرض التمجيد والاعتزاز أثارت فيهم أمارات الغضب الشديد والامتعاض المرير والويل كل الويل لمن تشتم فيه رائحة الحب والاعتزاز بهذه الأرض الطيبة وتاريخها المجيد وشعبها العظيم.
لقد دمرت الإمامة كل قيم الخير والمعاني الحضارية في النفسية اليمنية، حيث عادت بها إلى ظلمة الجهل والاستبداد والفتن والدماء، فلم تترك الإمامة طوال حكمها وفي كل مراحلها سوى ذكريات سوداء ملطخة بالدماء.
وفي المقابل عمل الأئمة على محق العلم ومسخ المعرفة، وتهديم دعائم النور والهدى، وعملوا على تثبيت ليل الجهل، وترسيخ دعائمه، وتعميق جذوره، لقد حارب الأئمة كل مظاهر العلم والمعرفة، وكان لهم وسائلهم القاسية في تجهيل الشعب، وقفل أبواب المعرفة في وجهه وفي سحق كل مواهبه وملكاته.
وطوال التاريخ اليمني قام عدد من العلماء والمصلحين، بكشف الحقائق، وتوضيح الوقائع، ويعد العلامة المجدد والمصلح المفكر محمد بن إسماعيل الأمير قطباً من أقطاب العلماء الهاشميين الأحرار ويمثل النضال النبيل ضد النزعة الإمامية المتعصبة، وقد اُتهم بالعداء لآل البيت رغم أنه منهم، وابن الأمير أكثر العلماء والمصلحين قوة في نقد الإمامة، وفضح الأئمة، والتنديد بالمظالم والمفاسد، وكشف العيوب والمثالب في أقواله وأشعاره وخطبه وكتاباته، وقد برزت شجاعته ومصداقيته في قصيدته “سماعاً عباد الله” وهي قصيدة رائية ما تركت مجتمعاً إلا ترددت على مسامعه ولا مسجداً إلا أنشدت فيه قبل الصلاة وبعدها فصارت أبياتها على كل لسان، والقصيدة طويلة ومنها هذه الأبيات:
سماعا عباد الله أهل البصائر
أيدفن فيما بينكم شرع أحمد
فيا عصبةً ضلت عن الحق والهدى
بأي ملوك الأرض كان إقتداؤكم
أنافستم الحَجّاج في قبح فعله
يفديكم إبليس حين يراكم
نبذتم كتاب الله خلف ظهوركم
ويا عصبةً من هاشم قاسمية
وأحللتم ما حرم الله جهرة
تساويتم في كل قبح فعلتم
أتيتم بأصناف الضلالات كلها
ملأتم بلاد الله جورا وجئتموا
ووليتم أمر العباد شراركم
فما يفعل الدجال مثل صنيعكم
فأفعالكم لو رمت حصراً لعدها
لقول له ينفي منام النواظر
ويهدم من بنيانه كل عامر
ومالت إلى أفعال طاغٍ وفاجر
فما لكمُ في فعلكم من مناظر
ففعلكم في الجور فعل مفاخر؟!
يقول: بكم والله قرت نواظري
ولم تعملوا منه بنصٍ وظاهر
إلى كم ترون الجور إحدى المفاخر
وشر ذنوب الخلق ذنب المجاهر
أكابركم في فعلهم كالأصاغر
وجئتم بأنواع المناكر
بما سودت منه وجوه الدفاتر
وخولتم أعمالهم كل ماكر
فلا تشمتوا من بعد هذا بكافر
لا فنيت في الدنيا مداد المحابر
وفي قصيدة أخرى يخاطب الأئمة:
مزقتم شمل هذا القطر بينكم
وكلكم قد رقى في ظلم قطعته
فقدموا العدل والإنصاف في أمم
كل له قطعة قفر وعمران
مراقيَ ما رقاها قبل خوان
قد طال منكم لهم ظلم وعدوان
ومن جرائم الأئمة أنهم عملوا على إحكام العزلة لليمن، وإقامة أسوار من الظلام حولها، وتعميم سجن حوائطه من الحديد يضعون فيه شعبها مكبلاً بكل القيود المادية والمعنوية.. وقد نجح الحكم الإمامي في فرض عزلة صارمة حاسمة على اليمن حتى أصبحت لا تعرف بلاد الله الواسعة الفجاج.
*خيوط الظلام – عبد الفتاح البتول